فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هو تقرير مضمنه التنبيه، وجمع النفس لما يورد عليها وقد علم تعالى في الأزل ما هي وإنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وجل في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة، ويتقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه، وينبهه على قدرته الباهرة و{ما} استفهام مبتدأ و{تلك} خبره و{يمينك} في موضع الحال كقوله: {وهذا بعلي شيخًا} والعامل اسم الإشارة.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون {تلك} أسمًا موصولًا صلته بيمينك، ولم يذكر ابن عطية غيره وليس ذلك مذهبًا للبصريين وإنما ذهب إليه الكوفيون، قالوا: يجوز أن يكون اسم الإشارة موصولًا حيث يتقدر بالموصول كأنه قيل: وما التي بيمينك؟ وعلى هذا فيكون العامل في المجرور محذوفًا كأنه قيل: وما التي استقرت بيمينك؟ وفي هذا السؤال وما قبله من خطابه تعالى لموسى عليه السلام استئناس عظيم وتشريف كريم.
{قال هي عصاي}.
وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري عصَيّ بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم.
وقرأ الحسن عَصَايِ بكسر الياء وهي مروية عن ابن أبي إسحاق أيضًا وأبي عمرو معًا، وهذه الكسرة لالتقاء الساكنين.
وعن أبي إسحاق والجحدري عَصَايْ بسكون الياء.
{أتوكأ عليها} أي أتحامل عليها في المشي والوقوف، وهذا زيادة في الجواب كما جاء «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
في جواب من سأل أيتوضأ بماء البحر؟ وكما جاء في جواب ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر».
وحكمة زيادة موسى عليه السلام رغبته في مطاولة مناجاته لربه تعالى، وازدياد لذاذته بذلك كما قال الشاعر:
وأملي عتابًا يستطاب فليتني ** أطلت ذنوبًا كي يطول عتابه

وتعداده نعمه تعالى عليه بما جعل له فيها من المنافع، وتضمنت هذه الزيادة تفصيلًا في قوله: {أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي} وإجمالًا في قوله: {ولي فيها مآرب أخرى}.
وقيل: {أتوكأ عليها} جواب لسؤال آخر وهو أنه لما قال: {هي عصاي} قال له تعالى فما تصنع بها؟ قال: {أتوكأ عليها} الآية.
وقيل: سأله تعالى عن شيئين عن العصا بقوله: {وما تلك} وبقوله: {بيمينك} عما يملكه، فأجابه عن {وما تلك}؟ بقوله: {هي عصاي} وعن قوله: {بيمينك} بقوله: {أتوكأ عليها وأهش} إلى آخره انتهى.
وفي التحقيق ليس قوله: {بيمينك} بسؤال وقدم في الجواب مصلحة نفسه في قوله: {أتوكأ عليها} ثم ثنى بمصلحة رعيته في قوله: {وأهش}.
وقرأ الجمهور: {وَأَهُشُّ} بضم الهاء والشين المعجمة، والنخعي بكسرها كذا ذكر أبو الفضل الرازي وابن عطية وهي بمعنى المضمومة الهاء والمفعول محذوف وهو الورق.
قال أبو الفضل: ويحتمل ذلك أن يكون من هش يهش هشاشة إذا مال، أي أميل بها على غنمي بما أصلحها من السوق وتكسير العلف ونحوهما، يقال منه: هش الورق والكلأ والنبات إذا جف ولأن انتهى.
وقرأ الحسن وعكرمة: وأَهُسُّ بضم الهاء والسين غير معجمة، والهس السوق ومن ذلك الهس والهساس غير معجمة في الصفات.
ونقل ابن خالويه عن النخعي أنه قرأ وأَهُسُّ بضم الهمزة من أهس رباعيًا وذكر صاحب اللوامح عن عكرمة ومجاهد وأَهُشُّ بضم الهاء وتخفيف الشين قال: ولا أعرف وجهه إلاّ أن يكون بمعنى العامة لكن فرّ من قراءته من التضعيف لأن الشين فيه تفش فاستثقل الجمع بين التضعيف والتفشي.
فيكون كتخفيف ظلت ونحوه.
وذكر الزمخشري عن النخعي أنه قرأ {وأهش} بضم الهمزة والشين المعجمة من أهش رباعيًا قال: وكلاهما من هش الخبز يهش إذا كان يتكسر لهشاشته.
ذكر على التفصيل والإجمال المنافع المتعلقة بالعصا كأنه أحس بما يعقب هذا السؤال من أمر عظيم يحدثه الله تعالى فقال ما هي إلاّ عصا لا تنفع إلاّ منافع بنات جنسها كما ينفع العيدان ليكون جوابه مطابقًا للغرض الذي فهمه من فحوى كلام ربه، ويجوز أن يريد عز وجل أن يعدد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها ثم يريه على عقب ذلك الآية العظيمة كأنه يقول أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة.
كنت تعتد بها وتحتفل بشأنها وقالوا اسم العصا نبعة انتهى.
وقرأت فرقة {غنمي} بسكون النون وفرقة عليّ غنمي بإيقاع الفعل على الغنم.
والمآرب ذكر المفسرون أنها كانت ذات شعبتين ومحجن فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا طلب كسره لواه بالشعبتين، وإذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته من القوس والكنانة والحلاب، وإذا كان في البرية ركزها وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل، وإذا قصر رشاؤه وصل بها وكان يقاتل بها السباع عن غنمه.
وقيل: كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوًا وتكونان شمعتين بالليل، وإذا ظهر عدو حاربت عنه، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت، وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نضب.
وكانت تقيه الهوامّ ويردّ بها غنمه وإن بعدوا وهذه العصا أخذها من بيت عصى الأنبياء التي كانت عند شعيب حين اتفقا على الرعية هبط بها آدم من الجنة وطولها عشرة أذرع، وقيل: اثنتا عشرة بذراع موسى عليه السلام وعامل المآرب وإن كان جمعًا معاملة الواحدة المؤنثة فأتبعها صفتها في قوله أخرى ولم يقل آخر رعيًا للفواصل وهي جائز في غير الفواصل.
وكان أجود وأحسن في الفواصل.
وقرأ الزهري وشيبة: مارب بغير همز كذا قال الأهوازي في كتاب الإقناع في القراءات ويعني والله أعلم بغير هم محقق، وكأنه يعني أنهما سهلاها بين بين.
{قال ألقها} الظاهر أن القائل هو الله تعالى، ويبعد قول من قال يجوز أن يكون القائل الملك بإذن الله ومعنى {ألقها} اطرحها على الأرض ومنه قول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى

وإذا هي التي للمفاجأة، والحية تنطلق على الصغيرة والكبيرة والذكر والأنثى والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم منها، ولا تنافي بين تشبيهها بالجان في قوله: {فلما رآها تهتز كأنها جان} وبين كونها ثعبانًا لأن تشبيهها بالجان هو في أول حالها ثم تزيدت حتى صارت ثعبانًا أو شبهت بالجان وهي ثعبان في سرعة حركتها واهتزازها مع عظم خلقها.
قيل: كان لها عرف كعرف الفرس وصارت شعبتا العصا لها فمًا وبين لحييها أربعون ذراعًا.
وعن ابن عباس: انقلبت ثعبانًا تبتلع الصخر والشجر والمحجن عنقًا وعيناها تتقدان، فلما رأى هذا الأمر العجيب الهائل لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف لاسيما هذا الأمر الذي يذهل العقول.
ومعنى {تسعى} تنتقل وتمشي بسرعة، وحكمة انقلابها وقت مناجاته تأنيسه بهذا المعجز الهائل حتى يلقيها لفرعون فلا يلحقه ذعر منها في ذلك الوقت إذ قد جرت له بذلك عادة وتدريبه في تلقى تكاليف النبوّة ومشاق الرسالة، ثم أمره تعالى بالإقدام على أخذها ونهاه عن أن يخاف منها وذلك حين ولى مدبرًا ولم يعقب.
وقيل: إنما خافها لأنه عرف ما لقي آدم منها.
وقيل: لما قال له الله {لا تخف} بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحيتها ويبعد ما ذكره مكي في تفسيره أنه قيل له خذ مرة وثانية حتى قيل له {خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} فأخذها في الثالثة لأن منصب النبوة لا يليق أن يأمره ربه مرة وثانية فلا يمتثل ما أمر به، وحين أخذها بيده صارت عصا والسيرة من السير كالركبة والجلسة، يقال: سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة.
وقيل: سير الأولين.
وقال الشاعر:
فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها ** فأول راض سيرة من يسيرها

واختلفوا في إعراب {سيرتها} فقال الحوفي مفعول ثان لسنعيدها على حذف الجار مثل {واختار موسى قومه} يعني إلى {سيرتها} قال: ويجوز أن يكون بدلًا من مفعول {سنعيدها}.
وقال هذا الثاني أبو البقاء قال: بدل اشتمال أي صفتها وطريقتها.
وقال الزمخشري: يجوز أن ينتصب على الظرف أي {سنعيدها} في طريقتها الأولى أي في حال ما كانت عصا انتهى.
و{سيرتها} وطريقتها ظرف مختص فلا يتعدى إليه الفعل على طريقة الظرفية إلاّ بواسطة، في ولا يجوز الحذف إلاّ في ضرورة أو فيما شذت فيه العرب.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون مفعولًا من عاده بمعنى عاد إليه.
ومنه بيت زهير:
وعادك أن تلاقيها عداء

فيتعدى إلى مفعولين انتهى.
وهذا هو الوجه الأول الذي ذكره الحوفي.
قال: ووجه ثالث حسن وهو أن يكون {سنعيدها} مستقلًا بنفسه غير متعلق بسيرتها، بمعنى أنها أنشئت أول ما أنشئت عصا ثم ذهبت وبطلت بالقلب حية، فسنعيدها بعد الذهاب كما أنشأناها أولًا ونصب {سيرتها} بفعل مضمر أي تسير {سيرتها الأولى} يعني {سنعيدها} سائرة {سيرتها الأولى} حيث كنت تتوكأ عليها، ولك فيها المآرب التي عرفتها انتهى.
والجناح حقيقة في الطائر والملك، ثم توسع فيه فأطلق على اليد وعلى العضد وعلى جنب الرجل.
وقيل لمجنبتي العسكر جناحان على سبيل الاستعارة، وسمي جناح الطائر لأنه يجنح به عند الطيران، ولما كان المرغوب من ظلمة أو غيرها إذا ضم يده إلى جناحه فتر رغبة وربط جأشه أمره تعالى أن يضم يده إلى جناحه ليقوى جأشه ولتظهر له هذه الآية العظيمة في اليد.
والمراد إلى جنبك تحت العضد.
ولهذا قال: {تخرج} فلو لم يكن دخول لم يكن خروج كما قال في الآية الأخرى {وأدخل يدك في جيبك تخرج} وفي الكلام حذف إذ لا يترتب الخروج على الضم وإنما يترتب على الإخراج والتقدير {واضمم يدك إلى جناحك} تنضم وأخرجها {تخرج} فحذف من الأول وأبقى مقابله، ومن الثاني وأبقى مقابله وهو {اضمم} لأنه بمعنى أدخل كما يبين في الآية الأخرى.
{تخرج بيضاء من غير سوء} قيل خرجت بيضاء تشف وتضيء كأنها شمس، وكان آدم اللون وانتصب {بيضاء} على الحال والسوء الرداءة والقبح في كل شيء فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة، وكما كنوا عن جذيمة وكان أبرص بالأبرص والبرص أبغض شيء إلى العرب وطباعهم تنفر منه وأسماعهم تمج ذكره فكنى عنه.
وقوله: {من غير سوء} متعلق ببيضاء كأنه قال ابيضت {من غير سوء}.
وقال الحوفي: {من غير سوء} في موضع النعت لبيضاء، والعامل فيه الاستقرار انتهى.
ويقال له عند أرباب البيان الاحتراس لأنه لو اقتصر على قوله: {بيضاء} لأوهم أن ذلك من برص أو بهق.
وانتصب {آية} على الحال وهذا على مذهب من يجيز تعداد الحال لذي حال واحد.
وأجاز الزمخشري أن يكون منصوبًا على إضمار خذ ودونك وما أشبه ذلك حذف لدلالة الكلام كذا قال، فأما تقدير خذ فسائغ وأما دونك فلا يسوغ لأنه اسم فعل من باب الإغراء فلا يجوز أن يحذف النائب والمنوب عنه ولذلك لم يجر مجراه في جميع أحكامه، وأجاز أبو البقاء والحوفي أن يكون {آية} بدلًا من {بيضاء} وأجاز أبو البقاء أن يكون حالًا من الضمير في {بيضاء} أي تبيض {آية}.
وقيل منصوب بمحذوف تقديره جعلناها {آية} أو آتيناك {آية}.
واللام في {لنريك} قال الحوفي متعلقة باضمم، ويجوز أن تتعلق بتخرج.
وقال أبو البقاء: تتعلق بهذا المحذوف يعني المقدر جعلناها أو آتيناك، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه {آية} أي دللنا بها {لنريك}.
وقال الزمخشري: {لنريك} أي خذ هذه الآية أيضًا بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض {آياتنا الكبرى} أو {لنريك} بهما {الكبرى} من {آياتنا} أو {لنريك من آياتنا الكبرى} فعلنا ذلك، ونعني أنه جاز أن يكون مفعول {لنريك} الثاني {الكبرى} أو يكون {من آياتنا} في موضع المفعول الثاني.
وتكون {الكبرى} صفة لآياتنا على حد {الأسماء الحسنى} و{مآرب أخرى} بجريان مثل هذا الجمع مجرى الواحدة المؤنثة، وأجاز هذين الوجهين من الإعراب الحوفي وابن عطية وأبو البقاء.
والذي نختاره أن يكون {من آياتنا} في موضع المفعول الثاني، و{الكبرى} صفة لآياتنا لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته تعالى كلها هي الكبر لأن ما كان بعض الآيات الكبر صدق عليه أنه {الكبرى}.
وإذا جعلت {الكبرى} مفعولًا لم تتصف الآيات بالكبر لأنها هي المتصفة بأفعل التفضيل، وأيضًا إذا جعلت {الكبرى} مفعولًا فلا يمكن أن يكون صفة للعصا واليد معًا لأنهما كان يلزم التثنية في وصفيهما فكان يكون التركيب الكبريين ولا يمكن أن يخص أحدهما لأن كلًا منهما فيها معنى التفضيل.
ويبعد ما قال الحسن من أن اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه ذكر عقيب اليد {لنريك من آياتنا الكبرى} لأنه جعل {الكبرى} مفعولًا ثانيًا {لنريك} وجعل ذلك راجعًا إلى الآية القريبة وهي إخراج اليد بيضاء من غير سوء وقد ضعف قوله هذا لأنه ليس في اليد إلاّ تغيير اللون، وأما العصا ففيها تغيير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الشجر والحجر، ثم عادت عصا بعد ذلك فقد وقع التغيير مرارًا فكانت أعظم من اليد. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى}.
شروعٌ في حكاية ما كُلف به عليه الصلاة والسلام من الأمور المتعلقةِ بالخلق إثرَ حكايةِ ما أُمر به من الشؤون الخاصة بنفسه، فما استفهاميةٌ في حيز الرفعِ بالابتداء وتلك خبرُه أو بالعكس وهو أدخلُ بحسب المعنى وأوفقُ بالجواب، وبيمينك متعلقٌ بمضمر وقع حالًا أي وما تلك قارّةً أو مأخوذةً بيمينك، والعاملُ معنى الإشارة كما في قوله عز وعلا: {وهذا بَعْلِى شَيْخًا} وقيل: تلك موصولةٌ أي ما التي هي بيمينك وأيًا ما كان فالاستفهامُ إيقاظٌ وتنبيهٌ له عليه الصلاة والسلام على ما سيبدو له من التعاجيب، وتكريرُ النداء لزيادة التأنيسِ والتنبيه.
{قَالَ هِىَ عَصَاىَ}.
نسبها إلى نفسه تحقيقًا لوجه كونِها بيمينه وتمهيدًا لما يعقُبه من الأفاعيل المنسوبةِ إليه عليه الصلاة والسلام، وقرئ عَصَيَّ على لغة هذيل {أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا} أي أعتمد عليها عند الإعياءِ أو الوقوفِ على رأس القطيع {وَأَهُشُّ بِهَا} أي أخبِط بها الورقَ وأُسقطه {على غَنَمِى} وقرئ أهِشّ بكسر الهاء وكلاهما من هشّ الخبزُ يهش إذا انكسر لهشاشته، وقرئ بالسين غيرِ المعجمة وهو زجرُ الغنم وتعديتُه بعلي لتضمين معنى الإنحاءِ والإقبال، أي أزجُرها مُنْحِيًا ومُقبلًا عليها {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أخرى} أي حاجاتٌ أخرى من هذا الباب مثلُ ما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلّق بها أدواتِه من القوس والكِنانة والحِلاب ونحوِها، وإذا كان في البرية ركَزها وعرض الزنذين على شعبتيها وألقى عليها الكِساء واستظل به، وإذا قصُر الرِّشاءُ وصله بها، وإذا تعرضت لغنمه السباعُ قاتل بها، قيل: ومن جملة المآربِ أنها كانت ذاتَ شعبتين ومِحْجَن فإذا طال الغصنُ حناه بالمحجن وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين، وكأنه عليه الصلاة والسلام فهم أن المقصودَ من السؤال بيانٌ حقيقتها وتفصيلُ منافعِها بطريق الاستقصاءِ حتى إذا ظهرت على خلاف تلك الحقيقةِ وبدت منها خواصُّ بديعةٌ علم أنها آياتٌ باهرة ومعجزاتٌ قاهرة أحدثها الله تعالى، وليست من الخواصّ المترتبةِ عليها، فذكرُ حقيقتَها ومنافعَها على التفصيل والإجمال على معنى أنها من جنس العِصِيّ مستتبِعةٌ لمنافعِ بناتِ جنسِها ليطابقَ جوابُه الغرضَ الذي فهمه من سؤال العليم الخبير.